
شهد العقد الماضي في تاريخ هذا البلد، خاصة في الفترة ما بين 2006 – 2016 زخما كبيرا في الحراك العمالي في مصر، كان تعديل قوانين العمل والتنظيم النقابي في القلب من هذا الزخم .فمنذ إضرابات المحلة في 2006 وحتي إضرابات المحلة الأخيرة في أغسطس 2017 كانت مطالب العمال تمثل دائما حديثا متجددا في المجال العام . مثلت الثورة بالتأكيد فرصة ذهبية للعمال المصريين وتنظيماتهم النقابية ( سواء كانت الحكومية أو المستقلة ) في انتزاع بعض مساحات الأمان بالنسبة إليهم وتحقيق مكاسب على حساب أصحاب الأعمال أو على الأقل جعل علاقات العمل في هذا البلد أكثر اتزانا وبالتالي حياة أكثر أدمية لأكثر من 35 مليون عامل مصري . تفترض تحليلات كثيرة أن حالة الزخم العمالي ترتبط بالأساس بمطالب صغيرة ،لكن ما أثبتته تلك السنوات الأخيرة أن هناك وعيا عماليا علي مستوي أكبر بدأ يظهر في أوساط العمال المصريين ، ويمكن أن تكون أحد تجليات هذا الوعي الجديد ظهور النقابات المستقلة بحد ذاتها ، فمنذ نشأة تلك النقابات المستقلة والتي بدأت في 2008 بنقابة العاملين في الضرائب العقارية. جرت مياه كثيرة في التنظيم النقابي المستقل في مصر .أسفر هذا التطور عن نمو وعي نقابي جديد لدي العمال المصريين ، كان هذا الوعي كيفيا لا كميا ،بمعني أنه لم يستطع الانتشار ليقطع كامل الطبقة العاملة المصرية أو أغلبها لكنه طرح تساؤلات بدت في وقتها جادة وموضوعية .
كانت أحد تلك الأسئلة التي طرحها حراك العمال هو قانون العمل في مصر، إلي أي طرف في معادلة العمل ينحاز هذا القانون ؟وما هي قدرة هذا الحراك علي تعديله ؟ وتنظيم أنفسهم ؟ومدي قدرة تلك التنظيمات على خوض معركة طويلة الأجل مع الدولة وأصحاب الأعمال؟
يسعى البرلمان في الوقت الحالي لاستبدال قانون عمل جديد بقانون العمل الموحد المعمول به منذ انتخابه والذي يعتبر منحازا بشكل كبير لأصحاب الأعمال ، حيث يتيح لهم الفصل التعسفي ولا يضمن التوازن في علاقات العمل ، كذلك مسودة القانون الجديد لم تضف كثيرا حول القانون السابق سوي المزيد من التعقيد وانعدام الكفاءة الإجرائية لها، وهذا ما تحاول هذه الورقة أن تثبته بشكل أساسي . ربما تتعدد الأسئلة وتختلف المقاربات التي يمكننا من خلالها النظر لعلاقات العمل في مصر والقوانين المنظمة لها ، سواء البعد القانوني أو زاوية الحقوق والحريات ،ولكن لا يمكننا في نفس الوقت إغفال حقيقة أن الحراك العمال في السنوات العشرة الأخيرة من ( 2006 – 2016) لم يحقق كثيرا من اﻵمال التي عقدت عليه ،وربما كان مآل هذا الحراك النهائي هو القانون الحالي الذي يتجه البرلمان للموافقة على المسودة المقترحة منة . يمكن أن يكون من المبكر الحكم بانتهاء هذا الحراك العمالي. فرغم نجاح الدولة بشكل كبير في حصار هذا الحراك ووصمة بالمطالب الفئوية ،وعودة قدرة الاتحاد العام للعمال ( التابع للدولة ) على ممارسة ما يمكن أن نسميه بالضبط التنظيمي لهؤلاء العمال ،يمكن أن يمثل المستقبل عالم من الممكنات للحركة العمالية في مصر خاصة في ظل الاقتصاد المتعثر.
يري الكثيرون من المهتمين بالشأن العمالي في مصر ،والباحثين والخبراء أن ثمة انحسار شديد في هذا الحراك العمالي منذ منتصف 2013 ، وفي ظل وزارة كمال أبو عيطة ( رئيس الاتحاد المصري للنقابات المستقلة ) لم تقدر الحكومة على تمرير قانون عمل جديد يتيح قدرا من الحرية النقابية رغم أن الوزير كان أحد المدافعين عن تلك التجارب ، ثمة حصار بالفعل للنقابات المستقلة في مصر فقد منع أعضاؤها من الانضمام للمجلس القومي للأجور بعد أن كانت لهم صفة الحضور بشرط عدم التصويت ، ويمكن ملاحظة الاتجاه العكسي الذي اتخذته الدولة من منتصف 2013 لنزع أي صفة تمثيلية عن النقابات المستقلة وبالتالي تقييد الحرية النقابية بشكل عام في مصر ، وانعكس ذلك بالطبع حول المسودة الأخيرة من قانون العمل الجديد.
تهتم هذه الورقة بدراسة أبعاد القانون الجديد للعمل ، وتوسع دائرة الضوء قليلا نحو النظر في قانون التنظيمات النقابية ووضع الحريات النقابية بشكل عام ، وذلك من منطلق أهمية السياق الحاكم لإصدار القانون الجديد والذي بالطبع يقع في القلب منه الحريات النقابية.
وبما أن إطلاق الحريات النقابية هي الخطوة الأولي نحو علاقات عمل متوازنة في هذا البلد ،ويحق للعمال أن يدافعوا عن مصالحهم في مواجهة استغلال أصحاب الأعمال ، تأتي هذه الورقة لتوضح أن علاقات عمل متوازنة تعني بالضرورة مزيدا من النمو الاقتصادي والرخاء لطرفي العملية الإنتاجية في مصر. كما تتبع الورقة مسار التحليل القانوني التاريخي ، بالنظر إلى القوانين التي تنظم علاقات العمل ، والتنظيم النقابي في مصر تاريخيا وصولا للتعليق على مسودة القانون الحالي التي يتجه البرلمان لإقرارها في دور الانعقاد الحالي .
للمزيد من المعلومات أضغط هنا للإطلاع أو تحميل التقرير Online PDF
No Responses to “مسودة قانون العمل الجديد .. المزيد من الانحياز ﻷصحاب العمل على حساب حقوق العمال”